سورة الرعد - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الرعد)


        


قوله تعالى: {وإِن تعجب} أي: من تكذيبهم وعبادتهم مالا ينفع ولا يضر بعدما رأوا من تأثير قُدرة الله عز وجل في خلق الأشياء، فإنكارهم البعث موضعُ عجب. وقيل: المعنى: وإِن تعجب بما وقفت عليه من القِطَع المتجاورات وقدرةِ ربك في ذلك، فعجب جحدهم البعث، لأنه قد بان لهم من خلق السموات والأرض ما يدل على أن البعث أسهل من القدرة.
قوله تعالى: {أإذا كنا تراباً} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو {آيذا كنا تراباً آينَّا} جميعاً بالاستفهام، غير أن أبا عمرو يمدُّ الهمزة ثم يأتي بالياء ساكنة، وابن كثير يأتي بياء ساكنة بعد الهمزة من غير مدٍّ. وقرأ نافع {آيذا} مثل أبي عمرو، واختُلف عنه في المَدِّ، وقرأ {إِنا لفي خلق} مكسورة على الخبر. وقرأ عاصم، وحمزة {أإذا كُنَّا} {أإِنا} بهمزتين فيهما. وقرأ ابن عامر {إِذا كُنَّا تراباً} مكسورة الألِف من غير استفهام، {أإنا} يهمز ثم يَمُدُّ ثم يهمز على وزن: عاعِنَّا. وروي عن ابن عامر أيضاً {أإِذا} بهمزتين لا ألِف بينهما.
والأغلال جمع غُلٍّ، وفيها قولان. أحدهما: أنها أغلال يوم القيامة، قاله الأكثرون. والثاني: أنها الأعمال التي هي أغلال، قاله الزجاج.


قوله تعالى: {ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة} اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها نزلت في كفار مكة، سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم بالعذاب، استهزاءً منهم بذلك، قاله ابن عباس.
والثاني: في مشركي العرب، قاله قتادة.
والثالث: في النضر بن الحارث حين قال: اللهم إِن كان هذا هو الحقَّ من عندك، قاله مقاتل.
وفي السيئة والحسنة قولان:
أحدهما: بالعذاب قبل العافية، قاله ابن عباس، ومقاتل.
والثاني: بالشرِّ قبل الخير، قاله قتادة.
فأما {المَثُلات} فقرأ الجمهور بفتح الميم. وقرأ عثمان، وأبو رزين، وأبو مجلز، وسعيد بن جبير، وقتادة، والحسن، وابن أبي عبلة برفع الميم.
ثم في معناها قولان:
أحدهما: أنها العقوبات، قاله ابن عباس. وقال الزجاج: المعنى: قد تقدَّم من العذاب ما هو مثله وما فيه نكال، لو أنهم اتعظوا. وقال ابن الأنباري: المُثْلَةُ: العقوبة التي تُبقي في المعاقَب شَيْناً بتغيير بعض خَلْقِه، من قولهم: مثَّل فلان بفلان، إِذا شان حَلْقَه بقَطْعِ أنفه أو أُذُنِهِ، أو سملِ عينيه ونحو ذلك.
والثاني: أن المثلاتِ: الأمثالُ التي ضربها الله عز وجل لهم، قاله مجاهد، وأبو عبيدة.
قوله تعالى: {وإِن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم} قال ابن عباس: لذو تجاوزٍ عن المشركين إِذا آمنوا، وإِنه لشديد العقاب للمصرِّين على الشرك. وقال مقاتل: لذو تجاوز عن شركهم في تأخير العذاب، وإِنه لشديد العقاب إذا عذَّب.
فصل:
وذهب بعض المفسرين إِلى أن هذه الآية منسوخة بقوله: {إِن الله لا يغفر أن يُشرك به} [النساء: 48]، والمحققون على أنها محكَمة.
قوله تعالى: {لولا أُنزل عليه آية من ربه} {لولا} بمعنى هلاَّ، والآية التي طلبوها، مثلُ عصا موسى وناقة صالح. ولم يقنعوا بما رأوا، فقال الله تعالى: {إِنما أنت منذر} أي: مخوِّفٌ عذاب الله، وليس لك من الآيات شيء.
وفي قوله: {ولكُلِّ قوم هادٍ} ستة أقوال:
أحدها: أن المراد بالهادي: اللهُ عز وجل، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال سعيد بن جبير، وعكرمة، ومجاهد، والضحاك، والنخعي، فيكون المعنى: إِنما إِليك الإِنذار، والله الهادي.
والثاني: أن الهادي: الداعي، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.
والثالث: أن الهادي: النبيُّ صلى الله عليه وسلم، قاله الحسن، وعطاء، وقتادة، وابن زيد، فالمعنى: ولكل قوم نبيٌّ ينذرهم.
والرابع: أن الهادي: رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أيضاً، قاله عكرمة، وأبو الضحى، والمعنى: أنت منذرٌ، وأنت هادٍ.
والخامس: أن الهادي: العملُ، قاله أبو العالية.
والسادس: أن الهاديَ: القائدُ إِلى الخير أو إِلى الشر قاله أبو صالح عن ابن عباس.
وقد روى المفسرون من طرق ليس فيها ما يثبت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية، وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على صدره، فقال:
«أنا المنذِر» وأومأ بيده إِلى منكب عليٍّ، فقال: «أنت الهادي يا عليُّ بك يُهتدى من بعدي» قال المصنف: وهذا من موضوعات الرافضة.
ثم إِن الله تعالى أخبرهم عن قدرته، رداً على منكري البعث، فقال: {الله يعلم ما تَحمِل كُلُّ أنثى} أي: من علقة أو مُضغة، أو زائد أو ناقص، أو ذكَرٍ أو أنثى، أو واحد أو اثنين أو أكثر، {وما تغيض الأرحام} أي: وما تنقص، {وما تزداد} وفيه أربعة أقوال:
أحدها: ما تغيض: بالوَضع لأقل من تسعة أشهر، وما تزداد: بالوضع لأكثر من تسعة أشهر، رواه الضحاك عن ابن عباس، وبه قال سعيد بن جبير، والضحاك، ومقاتل، وابن قتيبة، والزجاج.
والثاني: وما تغيض: بالسِّقْطِ الناقص، وما تزداد: بالولد التامِّ، رواه العوفي عن ابن عباس، وعن الحسن كالقولين.
والثالث: وما تغيض: بإراقة الدم في الحَمْل حتى يتضاءل الولد، وما تزداد: إِذا أمسكَتِ الدمَ فيعظم الولد، قاله مجاهد.
والرابع: ما تغيض الأرحام: مَنْ ولدته من قبل، وما تزداد: مَنْ تلده من بعد، روي عن قتادة، والسُّدِّي.
قوله تعالى: {وكل شيء عنده بمقدار} أي: بقدر. قال أبو عبيدة: هو مِفعالٌ من القَدَرِ. قال ابن عباس: عَلِمَ كُلِّ شيء فقدَّره تقديراً.
قوله تعالى: {عالم الغيب والشهادة} قد شرحنا ذلك في [الأنعام: 6]. و{الكبير} بمعنى: العظيم. ومعناه: يعود إِلى كبر قدره واستحقاقه صفات العلوِّ، فهو أكبر من كُلِّ كبير، لأن كل كبير يصغر بالإِضافة إِلى عظمته. ويقال: {الكبير} الذي كَبُر عن مشابهة المخلوقين.
فأمّا {المتعال} فقرأ ابن كثير {المتعالي} بياء في الوصل والوقف، وكذلك روى عبد الوارث عن أبي عمرو، وأثبتها في الوقف دون الوصل ابنُ شَنْبُوذَ عن قُنْبُل، والباقون بغير ياء في الحالين. والمتعالي هو المتنزِّه عن صفات المخلوقين، قال الخطّابي: وقد يكون بمعنى العالي فوق خَلْقه. وروي عن الحسن أنه قال: المتعالي عمّا يقول المشركون.


قوله تعالى: {سواء منكم} قال ابن الأنباري: ناب {سواءٌ} عن مُستوٍ، والمعنى: مستوٍ منكم {من أسرَّ القول} أي: أخفاه وكتمه {ومن جهر به} أعلنه وأظهره، والمعنى: أن السِرَّ والجهر سواء عنده.
قوله تعالى: {ومن هو مستخفٍ بالليل وسارب بالنهار} فيه قولان:
أحدهما: أن المستخفي: هو المستتر المتواري في ظلمة الليل، والسارب بالنهار: الظاهر المتصرِّف في حوائجه. يقال: سرَبتِ الإِبل تَسرِب: إِذا مضت في الأرض ظاهرةً، وأنشدوا:
أرى كُلَّ قَوْمٍ قارَبُوا قَيْدَ فَحْلِهِم *** وَنَحْنُ خَلَعْنَا قَيْدَه فَهْو سَارِبُ
أي: ذاهب. ومعنى الكلام: أن الظاهر والخفيِّ عنده سواء، هذا قول الأكثرين. وروى العوفي عن ابن عباس: {ومَنْ هو مستخف} قال: صاحب رِيبة بالليل، فإذا خرج بالنهار، أرى الناسَ أنه بريء من الإِثم.
والثاني: أن المستخفيَ بالليل: الظاهر، والساربَ بالنهار: المستتر، يقال: انسرب الوحش: إِذا دخل في كِناسِهِ، وهذا قول الأخفش، وذكره قطرب أيضاً، واحتج له ابن جرير بقولهم: خَفَيْتُ الشيء: إِذا أظهرتَه، ومنه {أكاد أَخفيها} [طه: 15] بفتح الألف، أي: أُظهرها، قال: وإِنما قيل للمتواري: ساربٌ، لأنه صار في السرَبِ مستخفياً.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8